Ultimate magazine theme for WordPress.

مجرد عتاب

0

 

عبداللطيف منتصر

أما آن لك أن يخشع قلبك بما تقول وأن تطمئن نفسك الأمارة بالسوء؟
عدت إلى الوطن بعد سنين من الهجرة كنت انقطعت فيها عن متابعة التلفزيون المغربي بسبب كثرة انشغالاتي إلا عندما يتعلق الأمر بالخطب الملكية فقد كنت أحرص على متابعتها مباشرة.
وكنت طيلة مقامي بديار المهجر، متفرغا لعملي وطلبتي ولأسرتي.
بعد اختياري العودة، قررت أن أتعرف على وطني ولظروف كورونا اللعينة، لم أستطع التجوال بين أحضانه. وأدركت أن التلفزيون المغربي بقنواته المتعددة سيكون مرآة تعكس تحول مغربنا وتطوره وتقرب المشاهدين من المشاربع المحلية والوطنية. فأصبحت مدمنا على مشاهدة التلفزيون.
وهكذا اكتشفت البرامج الدينية المغربية، بعد أن كنت أعرف الشيوخ المشارقة فقط، وشدني حرصي على تعلم أمور الدين إلى متابعة قناة محمد السادس للقرآن الكريم، حيث يسطير أحد رؤساء المجالس العلمية المحلية دون سواه، على كافة البرامج. فتجده على رأس كل ساعة ببرنامج قد يطول أو يقصر يتحدث في كل شيئ وفي لاشيئ. المهم حضوره أصبح مثيرا وغرببا ويطرح عدة أسئلة.
لم يكتف صاحبنا ببرامج قناة السادسة، بل تجاوزها للقناة الأولى حيث يعد برنامجا “فكريا” ومشرفا علميا على الوثائقيات التي تعنى بأمور الدين. أما الأمازيغية فتصادفه يوميا وطيلة ساعات البث إما ضيفا ثقيلا يتحدث عن الحجامة والسحر وغيرها أو وحيدا كمقدم برامج بأمازيغية ركيكة.
قررت بحكم تخصصي العلمي في البحث، وباعتبار صديقنا حالة نفسية مجتمعية، قررت أن أبحث عن سر سيطرة الرجل على الإعلام المغربي بل وحتى العالمي المعتمد بالمغرب.
في البدء ظننت أنه أوتي من العلم ما لم يوته أحد. وسرعان ما اتضح أن للرجل خطاب واحد وأوحد يكرره في كافة البرامج، وعلمت أن علماء اجلاء أخلوا الساحة إما طوعا أو كرها، وتفرغوا لتدريس طلبتهم بعيدا عن أنوار التلفزة ومكروفونات الإذاعة.
ولعل من مكر الصدف أنني التقيت فريقا تلفزيا بإحدى المدن القريبة، وبعد أن تجاذبنا أطراف الحديث، سألتهم عن الرجل إياه فتبادلوا النظرات بينهم و علت وجوههم ابتسامة ماكرة. أدركت حينها أن لديهم سخط عارم وحقد شديد عن الرجل خصوصا بعد أن تساءل أحدهم من أين للرجل كل هذه السلطة على كافة القنوات وكيف له أن يتحكم في أرزاق المتعاقدين والعاملين بالقنوات القرآنية، فهو رئيس اللجنة العلمية ويعين أصدقاءه أعضاء وهم قد لا يعلمون، وهو رئيس المجلس العلمي المحلي ( لنا عودة للموضوع المجلس العلمي المحلي وتركيبة أعضائه)، وهو رئيس ومنسق لجنة المشاهدة، وهو رئيس لجنة الإستماع، يوتي البرامج من يشاء هو ويمنعها عمن يشاء.
يتدخل في التدبير اليومي للقنوات بحجة أن السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية قد كلفه بمهمة مراقبة القنوات وتبليغه كل كبيرة وصغيرة، وهو ضيف على كل البرامج التلفزية والإذاعية، وهو معد ومقدم برامج على مدار اليوم وطيلة الأسبوع. فتراه يوم الجمعة يخطب في الناس في مسجد تامسنا بعيدا عن مقر سكناه بكلومترات، وبعدها مباشرة أينما وليت جهاز تحكم التلفاز تجده على الأولى، الثانية، الرابعة، السادسة، الأمازيغية…
أما الإذاعة، فقد سمعته بأذني يتحدث في كافة المواضيع، بل أصبح يقلد الأطباء النفسيين ذوي البرامج الناجحة، وهكذا يمكن أن تسمعه يو ميا مقدما لبرنامج وبعدها ضيفا على آخر، بل وحتى الإذاعة الناطقة بالفرنسية لم تسلم من حضوره، فتسمعه يخربق باللغة الفرنسية ويكرر ما سبق أن قاله بالعربية ويعيد بالأمازيغية.
وقبل توديع الفريق التلفزي الذي أكد لي المعلومة وأقسم على صدقيتها، تم إخباري أن الرجل إياه لم تسلم حتى الشركات التلفزيونية المنتجة المتعاملة مع الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة من سطوته، فأصبح “يكتري” إسمه للمنتجين ليضمن قبول أعمالهم باعتباره ” المرشد العام الروحي”، فيكفي أن تضع إسمه في الإعداد والإشراف، حتى يتم قبول البرنامج من طرف القنوات.
وزاد آخر مازحا بأن قد تمت تسميته ب”المقيم العام الديني” بالقنوات الإذاعية والتلفزية لكثرة تواجده بمقرات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، وقد تصادفه في كل الردهات متأبطا محفظته ومهرولا من أستوديو إلى آخر، حتى ليخيل للمرء أن الرجل لا يشتغل بالمجلس العلمي.
والسؤال الذي يمكن أن يطرحه المرء هو هل يعلم السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بأمر الرجل، أم تراه هو من أطلق يديه في الشأن الديني التلفزي والإذاعي، بل وحتى في باقي وسائل الإعلام الخاصة دونا عن غيره من العلماء الأجلاء؟ وهل حقا أن الرجل تراكمت عليه المداخيل والتعويضات عن مروره في البرامج وإعدادها حتى أنه يستعين بكناش لتقييد تواجده التلفزيوني والإذاعي لإعداد فواتير نهاية الشهر؟
اللهم لا حسد، اللهم زد وبارك.. ولكن شيئا من الإنصاف الإعلامي، بفتح الأبواب للكفاءات الشابة التي تساير ثقافة العصر. فالأجيال الجديدة تستحق أن نخاطبها بما تفهمه من لغة العصر. فقد خلقوا لزمان غير زماننا. وتجديد وتجويد الخطاب أصبح ضرورة ملحة.
لقد مضى على الناس حين من الدهر كانوا يتابعون برنامجا وحيدا أوحدا، ولكن كان يتناوب عليه علماء عظام ترى على وجوههم سمة الوقار والعلم والإيمان. كنا نشاهدهم مرة في الأسبوع يجيبون على تساؤلات الناس عبر البريد في تواضع العظماء وكانت مدة كافية للتفقه في الدين ومعرفة ما يجب فعله وما يجب تركه. أما اليوم، فكثرة الحضور، وكثرة الجلابيب والألوان المزكرشة أبعدتنا عن أصول الدين وتم التركيز على القشور.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ويل لمن أشارت له الأصابع بالخير.
وأترك لكم تخمين من هو عكس ذلك.
وأختم بهذه الآية الكريمة لعل قلوبا تعلم أن الله يرى ما يفعل المرء فتخشع:
۞ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد