فرضت السلطات الصينية إغلاقًا شمل عشرات ملايين الأشخاص في أنحاء البلاد الثلاثاء، وعادت عمليات الفحص الواسعة ومشاهد المسؤولين الصحيين بالبزّات الواقية إلى شوارع المدن على نطاق لم تشهده القوة الاقتصادية منذ بدايات كوفيد في ظل ارتفاع كبير في عدد الإصابات.
وأعلنت الصين تسجيل 5280 إصابة جديدة بفيروس كورونا الثلاثاء، أي أكثر من ضعف العدد المسجّل في اليوم السابق، في وقت تتفشى المتحورة أوميكرون في أنحاء البلد الذي اتّبع نهجًا متشددا قائمًا على “صفر إصابات كوفيد”.
ويبدو أن هذا النهج القائم على تدابير إغلاق محددة انقطعت الصين على اثرها عن العالم الخارجي لمدة عامين، بات على المحك إذ تجد المتحورة أوميكرون طريقها للتغلغل في أوساط السكان.
وباتت 13 مدينة على الأقل خاضعة لإغلاق شامل الثلاثاء بينما فرضت تدابير إغلاق جزئية على عدد من المدن الأخرى. وسجلت حوالي 15000 إصابة على مستوى البلاد في مارس.
وحث مسؤولو الصحة الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاماً على تلقي اللقاح، بما في ذلك الجرعة الثالثة المعززة، في أسرع وقت ممكن.
وتؤكد بيانات رسمية أنّ حوالي 80 بالمئة من الأشخاص من تلك الفئة العمرية تلقوا جرعتين من اللقاح، لكن تراقب بكين بقلق الوضع في هونغ كونغ، حيث يُسجَّل أكبر عدد وفيات بالفيروس في العالم بسبب انخفاض نسبة الملقحين بين السكان الأكبر سناً.
وقال المسؤول الصحي جياو ياهوي في مؤتمر صحافي الثلاثاء إن “خطر الإصابة الشديدة مرتفع للغاية” في صفوف تلك الفئة العمرية.
“انتابني الذعر”
وكانت مقاطعة جيلين (شمال شرق) الأكثر تضررا حيث وصلت الإصابات الى أكثر من ثلاثة آلاف، وفق لجنة الصحة الوطنية.
ويخضع سكان عدة مدن بما فيها عاصمة المقاطعة تشانغتشون والتي تعد تسعة ملايين نسمة لعزل منزلي.
قال مسؤولو الصحة إن أكثر من 8200 من سكان جيلين نُقلوا إلى المستشفى، في حين أن غالبية المصابين ظهرت عليهم أعراض خفيفة أو لم يعانوا من أعراض.
وأما مدينة شنجن التي تعتبر مركزا للتكنولوجيا في جنوب البلاد وتعد 17,5 مليون نسمة، فتخضع لقيود منذ ثلاثة أيام أغلقت بموجبها العديد من المصانع فيما باتت رفوف المتاجر خالية تقريبا. في الأثناء، فرضت السلطات قيودا على شنغهاي، كبرى المدن الصينية،
وقال مسؤولو المدينة في مؤتمر صحافي الثلاثاء إنه “ليس من الضروري إغلاق شنغهاي في الوقت الحاضر”، وبدلاً من ذلك يمكن اتخاذ إجراءات أكثر “تحديدًا”.
وتعيد مشاهد الأحياء المغلقة وتهافت السكان على شراء المستلزمات وتطويق الشرطة مناطق معيّنة إلى الذاكرة المراحل الأولى من الوباء، الذي ظهر في الصين أواخر العام 2019 قبل أن تتراجع حدّته في معظم أنحاء العالم.
ورغم الاعتقاد على نطاق واسع بأنه لم يتم الإبلاغ عن عدد الإصابات بشكل كامل أوائل عام 2020 في ظل الفوضى التي رافقت بدء انتشار الفيروس، إلا أن الحياة منذ ذلك الحين عادت إلى طبيعتها إلى حد كبير في الصين مع اتباعها نهجًا صارمًا.
وفي وقت اقتربت تدابير الإغلاق من بكين، شددت الأماكن العامة إجراءاتها للتدقيق على رموز الاستجابة السريعة (QR codes) الصحية واسعة الانتشار.
وبعدما خضعت لحجر صحي في المنزل مدّته 21 يومًا مع والدتها وطفلها البالغ ثلاث سنوات، قالت مديرة المشاريع ماري يو (34 عاما) إنها أجبرت على عزل نفسها مجددًا بعدما تم الكشف عن إصابات بالفيروس مرتبطة بساحة ألعاب زارتها.
وأفادت فرانس برس “انتابني الذعر عندما اتصل المسؤولون الصحيون.. خشيت من أن يقوموا بنقلنا إلى فندق للحجر الصحي”.
وأضافت “لكنهم هذه المرة يتركون الناس ليعزلوا أنفسهم في منازلهم. هذا مريح جدًا”.
وأعرب سكان آخرون في المدينة عن سخطهم من تفشي الوباء في الصين، في وقت تحاول معظم دول العالم العودة إلى حياتها الطبيعية.
وقال أحد سكان بكين الذي عرّف عن نفسه باسم يان لفرانس برس “كانت القيود مفيدة في السابق.. والآن بدأت مجددًا، متى سينتهي ذلك؟”.
تداعيات اقتصادية
ويتوقّع الخبراء بأن يؤثر انتشار الفيروس على النمو الاقتصادي.
وقال تومي وو من “أكسفورد إيكونوميكس” إن “تجدد القيود، خصوصا الإغلاق في شنجن، سيؤثر على الاستهلاك ويؤدي إلى اضطراب في الإمدادات على الأمد القريب”.
وأضاف أن الأمر سيشكّل “تحديًا” للصين لبلوغ هدفها في نمو إجمالي ناتجها الداخلي هذا العام والذي تم تحديده رسميًا بحوالى 5,5 في المئة.
ألغيت عشرات الرحلات الداخلية الثلاثاء، وقالت سلطات الطيران إن أكثر من 100 رحلة دولية متجهة إلى شنغهاي سيتم تحويلها إلى مدن صينية أخرى بين الأسبوع المقبل والأول من أيار/مايو.
وتراجعت الأسهم في بورصة هونغ كونغ بأكثر من ستة في المئة الثلاثاء، لتتفاقم خسائر اليوم السابق المرتبطة بقطاع التكنولوجيا، بسبب المخاوف من اجراءات الاغلاق.
وبينما يكافح المركز المالي تفشي موجة كوفيد-19 القاتلة، أدان كبير مستشاري الحكومة السابق، الزعيمة كاري لام الثلاثاء ودعاها إلى “الاستقالة خجلًا”.
وأدى عدد الوفيات في هونغ كونغ البالغ 4300 في أقل من ثلاثة أشهر، معظمها في دور الرعاية، إلى تعرض إدارة لام لانتقادات بسبب نسب التطعيم المنخفضة والاجراءات غير الواضحة.